اخر الاخبار

, 2024-12-10

في سبيل الوطن وليس في سبيل البعث…….!!

تاريخ النشر: 2024-10-11 11:21:16

في سبيل الوطن
وليس
في سبيل البعث…….!!

سعد الأوسي
مات الجواهري قامة العراق العالية وشاعر العرب الاكبر، غريباً في دمشق ورغم انهم احتفوا به في حياته الا انهم دفنوه في مقبرة الغرباء.  
ومات فائق حسن سيد الفن التشكيلي العراقي في باريس غريباً واضطرت زوجته الفرنسية ان تحرق جثمانه وتحوله الى رماد في اناء لانها لم تستطع تحمل تكاليف نقل تابوته الى العراق و دفنه في تراب وطنه.
ومات منير بشير اعظم عازف عود في العالم في بودابست بهنغاريا ودفن هناك وحيداً بعيداً عن مقامات اهله العراقية العريقة
ومات السياب غريباً على الخليج في الكويت و هو يردد في قرارة نفسه الثكلى عراق :
الريح تصرخ بي عراق
و الموج يعول بي عراق
ليس سوى العراق
ومات عبد الوهاب البياتي على كرسيه في شقة صغيرة بحي الشيخ محي الدين الشعبي كانت الحكومة السورية قد خصصتها لسكنه، و لم يحمل جثمانه سوى بضعة من شباب  من الحي (انكسر خاطرهم) على الرجل الشيخ الغريب ذي الشعر الابيض الذي مات منسياً بينهم وهم لا يعرفون انه البياتي الكبير احد اعمدة الريادة في الشعر الحر العربي والذي ملأ الدنيا بشعره وصيته.
و مات الشاعر المعلم يوسف الصائغ قرين مالك بن الريب وسيد التفاحات الاربع ، بدمشق حزيناً فقيراً مريضاً وشيّعت جنازته في صمت كئيب كأنه لم يكن في يوم من الايام. ومات مظفر النواب بعيداً عن الريل وحمد والبنفسج العراقي الذي طالما ملأ روحه بعطر لياليه، في  احدى مستشفيات الشارقة بعد ان قضى ثلثي عمره مغترباً تائهاً بين مدن وعواصم شتى،
واغمض عبد الرزاق عبد الواحد عينيه اغماضتها الاخيرة في احدى مستشفيات باريس  وهو يبكي على وطنه الذي لن يدفن في ترابه !!!
ومات غائب طعمة فرمان في موسكو  وفؤاد التكرلي في تونس وسعدي يوسف في لندن و عبد الجبار عبد الله عبقري الفيزياء العراقي خليفة اينشتاين في نيويورك وهو يبكي امام ابنه لانه تمنى ان يرى العراق لحظةً قبل ان يموت.
ومات الممثل الكبير خليل شوقي (عبد القادر بيگ) في هولندا و جاسم العبودي في امريكا ومخلد المختار في النمسا
ومات ومات ومات !!!
والقائمة اطول بكثير من ان يحويها هذا المقال !!!
لماذا يموتون كلهم في الغربة البعيدة هكذا !!؟؟
ولماذا يفرّط العراق بقاماته وقممه وينثرهم في اصقاع الدنيا كأضواء الشموع المرتجفة في الريح ؟!!!
ولماذا تعاد قصة التغريب والتهجير والنبذ والهروب و خروج اللاعودة مع وجوه البلد ورموزه العالية في كل الازمنة السياسية ومع اختلاف الانظمة والحكّام ؟؟؟!!!
تحتفي الامم بمبدعيها وتعظّم اسماء رموزها وترفع سيرهم كمصابيح فوق رأس التاريخ بينما نمعن نحن في ايذائهم واضطهادهم وتركهم اذلّاء في الفقر و المرض و ( قلّة القدر ) يتحسّرون على اعمارهم المحترقة بينما نعظّم لصوص السياسة ونكرّم القوادين والمأبونين ونحترم العاهرات والفاشينستات ونبذل الملايين تحت اقدامهن الوضيعة تقديراً لمؤخراتهن المنتفخات المحشوّات بالسليكون !!!؟؟
تصاخبت كل هذه الافكار في رأسي وانا ارى قيمنا تتهاوى و مجتمعنا يتصدّع واخلاقنا تنحدر  في كل مفاصل الحياة !!!
ترى اين اختفت هويتنا العراقية الاصيلة،  نخوتنا، غيرتنا، عزّتنا، كرامتنا، تقاليدنا، اعرافنا ، ارثنا الاجتماعي المكلل بالكبرياء والشموخ ؟؟؟
اين انتماؤنا الوطني الذي رفعنا بيارقه بسواري الدم والفداء والتضحية !!؟؟؟
ولماذا سمحنا لعهر السياسة ان يتفشى في صميم حياتنا وقيمنا يهينها ويلوّث كل شئ فيها ؟؟؟
الم نكن الوطن الذي مدّ على الافق جناحا وارتدى مجد الحضارات وشاحا !!؟؟

الم تمر بنا النوب العاديات
و ظل العظيم العظيم العراق !!؟؟

 الم نحلف بالله والعباس نوگع زلم فوگ الزلم لمن يشيب الراس
بس الگاع ما تنداس !!؟؟
ترى لماذا تخلّينا عن كل هذا المجد والفخر باننا عراقيوووون حد قطع النفس وصمتنا على اهانة الوطن العظيم الذي اردناه عالياً مكرّماً معظّماً، لان مغنيةً فاشلةً ارادته (ناعماً منعماً ) مثل (جلدها) الازرق المنتوف في صالونات بيروت  و باريس والمغرب !!؟؟
في الزمن البعثي (الديكتاتوري) الذي مازلنا نحرص على شتمه و ذمّه وتذكير اولادنا بمساوئه في كل مناسبة ، كان العراق دولة ذات هيبة وحضور و اخلاق وقيم عالية،
ومع انه نظام مجرم عنجهي قاسٍ غير إنساني حسب تصنيفات وقواميس الديمقراطية الامريكية، الا انه حافظ على هوية المجتمع الاخلاقية وارسى قيمه مع كل ما قيل و يقال عنه صدقاً كان او كذباً.  
كان (الدكتاتور) يكرم الادباء والفنانين والعلماء والمتفوقين و رجال الثقافة والاعلام - حتى وان كان ذلك من اجل تلميع صورته و تعظيم وجوده- الا ان ذلك صنع جوّاً ثقافيا نشطاً وحراكاً ابداعياً كبيراً ما نزال نفتقد وجوده ولا نصل الى معشار مثله بعد عشرين سنة من الحكم الديمقراطي !!.
 كانت هنالك مهرجانات كبيرة مشرّفة رائعة التنظيم كثيفة الحضور عراقياً وعربياً و عالمياً كمّاً و نوعاً، حولت بغداد الى قبلةٍ ثقافية وابداعية يشار لها بالف بنان.
وكنا نرى ونسمع دائما عن لقاءات رئيس الدولة (الدكتاتور) طبعاً، بالشعراء والكتّاب والفنانين والاعلاميين و تكريمه لهم واحتفائه بهم ، بل ان العديد منهم كانت تربطهم به صداقات شخصية ولهم عنده حظوة وكلمة.
حتى الذين صاروا يدعون الآن انهم كانوا معارضين للنظام (وهم صادقون جداً جداً)، لم تكن تخلو قائمة التكريمات والرواتب الرئاسية من اسمائهم، ولو شئتم جئتكم بوثائق دامغة تتزين باسماء الكثيرين ممن اصبحوا  الان مناضلين، كانت لا تخلو صحيفة يومية من قصائدهم ومقالاتهم في حب (القائد) ومديح عبقريته !!!!
ما علينا
لندع كل ذلك خلف ظهورنا الآن ونأتي الى كلمة سواء بيني وبينكم كي ندرك ما تبقّى و ننقذ مايمكن انقاذه.
ولنتحدث بلغة متجردة من الاهواء والاهداف الخفية واحقاد الماضي التي خدعتمونا بانها مقدسة و ثبت انها لا تساوي عندكم (فردة نعال).
الم تكفكم عشرون سنة من الثأر والانتقام والعدوانية واشفاء الغل لتحقيق العدالة المزعومة !!!؟؟؟
الم تكفكم عشرون سنة من الفوضى والفساد والسرقة و هدم جميع جسور الثقة بين النظام الحاكم والشعب، والامتهان الاخلاقي والقيمي والثقافي وشيوع الفوضى و تهشّم صورة العراق الحضارية والاجتماعية امام العالم ؟؟
الم يئن الأوان للتصالح مع (انفسنا) و طي صفحات الحقد والدم والثأر القديمة ؟؟؟
وكيف نحلم ان نبني الوطن و أسسه واهية غارقة بوحول الكراهية ومستنقعات الضغينة ؟؟؟
عشرون سنة طويلة مرّت
مات فيها كثيرون وولد كثيرون
ذهبت اجيال و جاءت اجيال
وما تزال ذات اللغة الموتورة المسمومة سائدةً متداولةً حيّة تجول ذئابها في ليالي الناس بحثاً عن دم منسيّ تسفكه او غلّ عتيق تشفيه !!!
في عشرين سنة نهضت تركيا من انكسارها الاقتصادي والحضاري واعادت بناء نفسها لتعود دولة قوية باقتصاد حديدي وصناعات عملاقة تملأ اسواق العالم
وفي عشرين سنة نهض المارد الصيني وتحول من بلد زراعي فقير منغلق على نفسه الى اعظم اقتصاد وصناعة وتسليح  و حضور وثقل يقلق الدولة العظمى المهيمنة على العالم.
وفي اقل من عشرين سنة نهضت اليابان وكوريا وماليزيا واندنوسيا وسنغافورة لتصبحن شواخص حضارية في عيون العالم كله
بينما نحن مانزال مشغولين في اجتثاث فلان واغتيال علّان و فصل هذا و طرد ذلك و حرمانهم و مطاردتهم وحبسهم وسلخهم ومحوهم من سجل كل شئ !!!؟؟؟
كم يبدو خطيرا هذا الهراء الذي اغرقنا فيه انفسنا و وطننا طوال عشرين سنة !!؟؟
وكم نبدو متخلفين عن ركب الانسانية ومسار الحضارات ونحن نستغرق عشرين سنة كاملة في اجتثاث فكر و محاكمة قصيدة وقطع رأس اغنية و جلد مقالة عبّرت ذات يوم عن وجهة نظر محكومة بالزمان والمكان والظرف والحالة !!؟؟؟
لماذا نجح الكرد اشقاؤنا وشركاؤنا في الوطن بمشروع التصالح والتعايش والتآلف فيما بينهم طاوين صفحة الدم والثأر القديم البغيض من اجل التفرغ لبناء الوطن وترسيخ عراه المجتمعية !!؟؟
والجواب ببساطة: لانهم بناة وقادة حقيقيون يحبون ارضهم وشعبهم بصدق وامانة، والدليل ماترونه وتسمعون به فيما وصلوا اليه بناءً واعماراً وتنظيماً ورفاهيةً بارك الله لهم وبهم.
اذا كنا نريد ان نعيد الوطن الى صوابه وهويته فلنبدأ اولا بمصالحة رموزه وقاماته المنثورة في اصقاع الغربة واستعادتهم بعد ان نبذناهم و خسرناهم وفقدناهم وافتقدناهم اكثر من عشرين سنة دون سبب سوى انهم شعراء و كتاب و فنانون و علماء و اداريون ناجحون مانزال حتى الان نتذكرهم ونشيد باسمائهم واعمالهم في جلساتنا الخاصة او كلما خلونا الى انفسنا ونحن نقرأ نتاجهم البديع !!؟
تهمة انهم بعثيون اصبحت قديمة وتافهة ولا معنى لها، لاننا جميعا نعلم ان الانتماء الى البعث كان شبه هوية عامة مفروضة لا نجاة من دونها لمن يريد ان يعيش في الوطن.
ولو كشفنا المستور لوجب الاعتراف ان عشرات الاف البعثيين موجودون الان في هيكل الدولة يمارسون حياتهم واعمالهم بحرية، لان هنالك من وقف الى جانب عودتهم ودمجهم في الحياة الجديدة من اهليهم واصدقائهم، فلماذا لا يشمل ذلك الجميع ؟؟؟
ماذا سينفع الوطن حين نطارد او نفصل او نجتث عالم ذرة او مهندساً او شاعراً او كاتباً او أكاديمياً او ممثلةً او خبيراً ادارياً بتهمة انهم كانوا يعملون ضمن ركب نظام حكم وهيمن مدة خمسة وثلاثين عاماً ؟
ماذا كان يجب ان يفعلوا ؟
يجلسون في بيوتهم ويغلقون عليهم ابوابهم حتى الموت تحسباً لمثل هذا اليوم ؟
اقولها ملء الفم وبعالي الصوت:

ليس من حق اي نظام سياسي ان يسلب عراقي جنسيته او حقه في العيش والعمل على ارضه هو واعقابه، فالوطن ليس ملك الانظمة السياسية والاحزاب الحاكمة
واذا اردنا ان نحاسب النظام السابق على جرائمه فلنحاسب مرتكبيها ومن ولغوا في دمائها، لا كل الذين كانوا والذين عملوا والذين كتبوا والذين هتفوا والذين غنّوا والذين مثّلوا و الذين والذين !!!!!
لاننا اذا طبقنا هذه القاعدة علينا ان نحاسب مئات الاف وربما ملايين البسطاء من ابناء الشعب الذين كانوا يملؤون الساحات والشوارع وهم يصفقون ويزغردون ويغنون هلا بيك هلا و بجيتك هلا !!!
لانهم يعتبرون بذلك مؤيدين لحزب البعث المنحل و مروّجين لقيادته مما يوجب عليهم الاجتثاث والمساءلة والعدالة حسب القانون !!!.
لنعترف الان بشجاعة اننا حين فصلنا و طردنا و اجتثثنا وهرّبنا كوادر الدولة السابقين وكفاءاتها واداراتها الفنية و مواهبها العظيمة شعراء وملحنين وكتاباً وممثلين و مخرجين و اعلاميين، انهم تركوا اماكنهم خاليةً وحضورهم مفتقداً محسوساً، ماتزال المجالس تتداول سيرهم والذكريات تتحسّر عليهم.
افتحوا ابواب قلوبكم و تعوذوا من شرور احقادكم القديمة واعيدوا اهلكم واخوتكم ورموز ابداعكم و كفاءاتكم وخبراتكم الى وطنهم معززين مكرمين بعد عشرين سنة من الغربة القسرية والحقد المدنّس،
استعيدوا بهم جانباً مهما من الوجه الحضاري والثقافي والابداعي الذي اهتزت اركانه بعد شيوع ثقافة الدمج والنطّ والقفز من (مؤخرة) الهرم الى قمّته.
لا يخدعكم اعداء (المهنة) والاختصاص باكاذيبهم و صراخهم العالي بالانغام النشاز ذاتها التي دأبوا على عزفها منذ عشرين سنة، لانهم انتفعوا و ما يزالون من غياب تلك القامات العالية حين حلّوا محلّها سدّاً للفراغ وانتهازاً للفرصة،
اعتقد ان حكومة يقودها رئيس حكيم متزن راسخ مثل محمد شياع السوداني هي الاجدر بمثل هذا الفعل الوطني والانساني والاخلاقي والمبدئي والمتسق مع كل اعراف الارض واديان السماء في التسامح والتسامي عن صغائر الاحقاد خاصة بعد ان قدم عهدها و بهتت الوانها وشاهت وجوهها الشمطاء.
وانا اضع الامر بين يدي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اتعهد له بانني ساتكفل شخصيا بالسفر الى كل المدن والعواصم التي تعيش فيها  هذه الرموز والقامات العراقية العالية، واقناعها وتطمينها بالعودة للاسهام في مسار البلد الجديد واستعادة حضوره وبريقه الابداعي بعد ان شوّهت صورته مهرجانات السماسرة والقوادين و الفاشينستات الشريفات جداً.
وسأقيم مهرجاناً كبيراً بثقل وبريق مهرجانات ايام زمان المحترمة للاحتفال بعودة الرموز المغتربة الى وطنها بعد طول غياب في يوم العراق الوطني ان شاء الله، كي يكون العيد عيدين والفرحة بهجتين، وكي يرى العراقيون يومهم الوطني بكامل شموخه و سموّه وكبرياء حضوره العظيم.