, 2025-06-15
ســـعد الاوســـي
افرز الاحتلال الامريكي للعراق واسقاط نظام صدام حسين في نيسان 2003 واقعاً سياسياً جديدا لم يعرفه او يألفه العراقيون منذ تأسيس دولتهم عام 1921 وحتى عام السقوط والاحتلال في 2003، ورغم ان الخصومة السياسية الشديدة والتطرّف الطائفي الحاد الذي انتجته الارادات والتدخلات الاقليمية والدولية خلقت لغة خطاب سياسي جديدة بالغة الحساسية والتطرف، تتحدث عن تجبّر مكوّن واستقوائه على المكونات الاخرى عبر استئثاره بالسلطة الحاكمة عقوداً طويلة من عمر الدولة ، الاّ ان الموضوعية والحيادية توجب علينا ان لا نقبل شطط هذه الرؤية الطائفية الممنهجة وان ننتبه جيدا الى اهدافها الخفية الساعية لخلق سدود وجدران عالية بين مكونات الشعب العراقي وخلق دوافع و محركات صراع وتناحر دائم بينها.
ولابد لنا في هذا الصدد ان نؤكد النظام السياسي الذي تأسس عام 1921 وانتج الدولة العراقية لم يؤشر عليه أبداً طوال تسعة عقود من عمره نزعة طائفية يمكن ان تشكل ملمحا او سمةً واضحةً فيه، على اختلاف اشكاله وانواعه واهدافه ومرجعياته، حتى في اعتى فترات جبروته و دكتاتوريته وسطوته متمثّلاً بالفترة الصدامية التي شخّصت على انها الاكثر بطشاً و عنفاً ودمويةً وتفرّدا بالظلم والحكم، اقول حتى في هذه الفترة الحادة الصاخبة كان النظام السياسي بعيدا عن تهمة الطائفية كما روّج عنه بعد ذلك، لانه كان عادلاً في توزيع بطشه وظلمه على جميع الطوائف والمكونات، ربما بنسب مختلفة احياناً الا ان سيف ظلمه لم يدّخر رقبةً ورأساً طالما كانوا يعارضونه او يرفضونه او يثورون عليه. ولم يتعرض الكرد للظلم لانهم كردا ولا الشيعة لانهم شيعة ولا السنة لانهم سنة بل لانهم يطالبون بحرياتهم وحقوقهم ويرفضون دكتاتورية النظام ويثورون عليه. حتى مع وجود بعض النواشز والاستثناءات المريضة في ادارة الدولة من اصحاب الاهواء والتطرفات الطائفية او القومية او الدينية، نجد ان الحركية المجتمعية والوعي السياسي العام كان سرعان ما يدينها ويلفظها بروح الوطنية والتآزر والاخاء و التعايش المشترك الممتد عميقاً في التاريخ و على ارضية ايمان صلبة بفسيفسائية التشكيل الاثني للعراق الذي صمد عبر الاف السنين وحافظ على بنيته وبيئته وعوامل وجوده للعيش بسلام وامان.
لكننا مع الاسف ورغم كل هذه الثوابت الاجتماعية والوطنية والفكرية، وجدنا انفسنا فجأة بعد 2003 امام واقع سياسي جديد يفرض مفهوما غريباً على المجتمع والدولة تحت عنوان المحاصصة الطائفية !!!!
في توليفة غريبة لا تتوفر حتى على انساق او أسس مشتركة متجانسة، وبتصنيف عجيب فرضه المستعمر الامريكي وتلاقفته الدول الاقليمية الكبرى ذات الاهداف و المصالح ، ليفرضوا واقعاً سياسيا جديدا يقسم البلد الى شيعة وسنة وكرداً !!!!!
ثم لينتج عبر هذه المحاصصة البغيضة اكثر نظام سياسي فاسد عرّض البلد للعديد من الازمات والكوارث وهدر ثروات هائلة لايمكن تعويضها ابدا وحرم العراق من فرصة نهوض لا تتكرر.
(هدر هنا بمعنى سرق واختلس وعاث خرابا من اجل عمولات وصفقات فاسدة عفنة).
التقسيم المحاصصي الغريب هذا لم يتسق قوميا فيكون عربا وكردا وتركماناً، ولم يتسق دينيا فيكون مسلمين ومسيحين و شبكاً وايزيدين، كما لم يتسق طائفياً فيكون شيعة وسنّةً وكاثوليكاً وارثذوكساً،
بل كان شيعة و سنة و كرداً !!!؟؟
(يعني خلطبيطة عجيبة لا يوفق بينها ولا يضعها في نسق واحد الا فانتازيا الواقع السياسي الجديد الذي فرضه المستعمرون الامريكان بعد 2003 في العراق).
ومع هذه الفانتازيا تعايشنا لاكثر من عشرين عاما، ولكن مع هزات وزلازل سياسية واجتماعية وامنية انتجت اكثر من صراع اهلي وصل الى اغراق البلد بسيول من الدماء البريئة والفساد المالي والفوضى في كل شئ.
في غمرة هذه الحمى وجد السنة العرب انفسهم في مأزق اجتماعي و سياسي كبير ، فهنالك خطاب شيعي متطرف مدعوم اقليمياً يريد تحميلهم جريرة ارثين ثقيلين هم براء منهما بالتأكيد
اولهما: ارث ممعن في التاريخ القديم يحملهم وزر جريمة الدولة السفيانية الاموية في قتل الامام الحسين عليه السلام سيد شباب اهل الجنة، هو وال بيته وصحبه في موقعة الطف بامر من يزيد بن معاوية (لعنه الله)،وهو توزير لم اجده حتى الان له وجها او مقاربة او سببا يحيله الى اكتاف العرب السنة في العراق، فهم بالتأكيد ليسوا احفاد يزيد وجماعته، ولايقع عليهم ان يزروا وزره او يتحملوا جريرة جريمته، واي حديث عن مثل هذه الوشيجة الخيالية يجب ان يكون سخريةً وهراءً لا يقبله عقل.
وثانيهما: ارث تاريخ حديث قريب يريد ان يلصق اوزار مافعله صدام حسين بالعرب السنة !!!؟؟؟
وهو افتئات باطل آخر ليس له ادنى صلة او تسويغ، فصدام حسين كما اسلفت الذكر لم يكن يقيم اعتبارا لانتمائه المذهبي، بل حتى هويته الدينية لانه في اساس تكوينه السياسي والفكري والاجتماعي علماني النزعة قوميّ الهوى صدّامي الحكم والولاء، والجميع سواه ليسوا سوى ادوات و تروساً في دواليب سلطته شيعة وسنة عربا وكرداً مسلمين ومسيحين، لافرق بينهم عنده الا بالولاء والطاعة والتضحية من اجله.
ولان التمثيل السياسي كان تحاصصا ولان الصورة العادلة في التمثيل التي يريدها المحتل الامريكي لا تكتمل الا بوجود العرب السنة بصفتهم المكون الاكبر الثاني، كان لابد من البحث عمن يملأ هذا الفراغ منذ بواكير تشكيل السلطة الجديدة وكتابة دستورها.
ومع غياب ابرز النخب السنية بين خائف و متجنب و مجتث ومفصول، تقدّم الى الخطوط السياسية الاولى شذّاذ آفاق لتمثيل هذا المكون المهم، من تجار ذوي سمعة سيئة و بعض الوجوه العشائرية المنسية و عدد من مهربي السكائر اضافة الى بعض العسكريين والموظفين الفاسدين المفصولين ذوي السوابق الجنائية و نواب ضباط سابقين من الجيش والشرطة، مع بعض اصحاب الطموحات المغمورين الكامنين منذ زمن وراء اطماعهم للوصول الى السلطة والثراء، ومن اراد دليلا على ذلك فليرجع الى قوائم التمثيل السني منذ كتابة الدستور وحتى جميع الحكومات المتعاقبة بعد ذلك.
وكان نتاج هذه الشرذمة على مدى عشرين عاماً الكثير من الازمات والتهجيرات والمعاناة والشعور بالمظلومية والتهميش عند المكون العربي السني، وربما كان هذا الشعور وراء انزلاق البعض في مستنقع الانتماء الى الحركات والمنظمات والميليشيات الدينية المتطرفة كالقاعدة وداعش ومشتقاتهما.
((تنويه: ينطبق هذا الحال والتوصيف بشكل او بآخر على الشيعة العرب في العراق ايضاً، ولكن بوجه اقل، بسبب الاحباط الذي واجهوه من فساد غالبية ساستهم وممثليهم وسوء الاحوال المعاشية مع انهم كانوا ينتظرون رفاهية واستقراراً وامناً واماناً، لم يتحقق اي منها، الا ان الشارع الشيعي مع ذلك مايزال اكثر تماسكا و استقرارا وطمأنينة من الشارع السني، لوجود قيادات وزعامات تقليدية كبيرة راسخة تحظى بالثقة والتأييد وتستند الى ارث حزبي او ديني مشرف حافل)).
اليوم ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية قريبة وباستعراض مشهد القيادات السنية الواضحة في الشارع السياسي، نجد ان الوجوه البارزة فيها هي ذات الوجوه الفاسدة السيئة التي ظلت جاثمةً على المشهد منذ اكثر من عشر سنوات مع ان الجمهور الذي يفترض بها ان تمثله يمقتها ويلعنها ويتبرّأ منها بل ويسخر من وجودها في السياسة اصلاً، اذا لايعقل ان يكون احد ابرز زعاماتها المؤثرة مهرب سكائر و نصاب معروف لم يصل في تحصيله العلمي الى الدراسة المتوسطة، جمع ثروته المليارية من خداع دول الخليج والمتاجرة بمظلومية العرب السنة كما كان يتباكى ويزعم !!!!
او نائب ضابط سابق تحول بعد فصله من الوظيفة الى تاجر ملابس بدكان في السوق العربي ثم تاجر سكائر ليهرب بعدها الى خارج العراق لسرقته 5 ملايين دولار من حصة شريكه عدي صدام حسين !!!
،ثم ليتحول فجأة الى سياسي وزعيم حزب مع ان ذلك الحزب لم يتجاوز اعضاؤه عشرة اشخاص في يوم من الايام !!!!
او نائب ضابط آخر كان يعمل في قوات الحرس الجمهوري الخاص (حرس صدام حسين) بشهادة المتوسطة فقط، لنراه اليوم سياسياً مشهورا يدّعي تمثيل العرب السنة وعضوا في البرلمان بل رئيس اهم لجنة فيه، وهو لا يكاد يميز حرف الالف من كوز الذرة كما يقول المصريون !!!؟؟
يعني شعيط و معيط و جرار الخيط وياگلبي لاتحزن !!!
ومع هذه الصورة القاتمة للمشهد السياسي السني، وحاجة هذا المكون الكبير الأساسي في البنية الاجتماعية العراقية الى قيادة كاريزمية حقيقية تحظى بثقة جماهيرها وايمانهم بأهليتها وألمعيّتها من اجل جمع الكلمة في هذا المفترق الصعب من تاريخ العراق على قلب رجل واحد، حيث تشير جميع المعطيات الدولية والاقليمية والداخلية الى مرحلة تغيير واصلاح قادمة مع حكومة وطنية حازمة عفيفة الذمة طاهرة اليد غير مطعونة او متهمة بفساد او استغلال او صفقات فساد او اية (مجسّرات) فاشلة، والتي من المفترض ان يكون تمثيل المكونات والتيارات والكتل والاحزاب فيها كأنصع وأكفأ وأشرف مايكون. بعد ان طفا على سطح الارادة السياسية الامريكية و العالمية رغبة مؤكدة في معالجة حالة الفوضى والفساد السياسي في العراق، مما يحتم على جماهير المكونات الكبرى الوقوف خلف قياداتها الراسخة على الارض المتينة البنيان اذا ارادت ان تعبّر عن ذاتها ومصالحها كما يجب. وفي حالة المكون السني موضوع حديث هذا المقال اجد ان السنوات القليلة السابقة قد اثبتت نجاح تجربة المهندس محمد الحلبوسي في رئاسته للبرلمان و في مشروعه لادارة اعمار واصلاح محافظته الانبار اولا ثم محافظات المنطقة الغربية تالياً، والذي يشهد عليه القاصي والداني في كل مفصل وشارع و مرفق من هذه المدن والمحافظات اضافة الى الالتفاف والدعم الشعبي الكبير الذي يحظى به الحلبوسي من جماهير تلك المدن شيباً و شباباً لانهم يرون فيه القوة والحزم لقيادة هذه المرحلة نحو الضفاف الآمنة بعد طول معاناة والم.
اقول هذا مع اني اختلفت واختصمت مع السيد الحلبوسي اكثر من مرة، بسبب بعض المواقف والقرارات السياسية الحازمة التي اتخذها وكنت اختلف فيها معه بوجهة النظر والرؤية، مع انه اثبت لي اكثر من مرة ان نظرته كانت اصوب، الا انني كنت اكابر كعادتي ولم اعترف امامه ولا مرة انني على خطأ .
الرئيس الحلبوسي عن المكون السني والزعيم نوري المالكي عن المكون الشيعي والزعيم مسعود البارازاني عن المكون الكردي هم المثلث الذهبي او الماسي الذي يستطيع ان يعيد العراق الى مسار الدول الناهضة خاصة في ظل متغيرات سياسية واقتصادية و صناعية عالمية هائلة قد نجد فيها في وقت ليس ببعيد ان بترولنا الذي هو لقمة عيشنا الوحيدة قد اصبح مجرد سائل مهما في باطن الارض لم يعد العالم بحاجة اليه ولا يشتريه احد كما فعلوا قبل ذلك مع الفحم الحجري.
ولتگولون ما گلتلكم بعدين