, 2025-06-15
سعد الأوسي
كان من المتوقع بعد سنوات النضال الطويلة التي خاضتها المعارضة العراقية بكل اطيافها السياسية ضد النظام الدكتاتوري السابق ان تنتج حين تولي الحكم وادارة السلطة نظاماً متسّقاً متآلفاً متواشجاً مستنداً الى ارثٍ تاريخيّ كبير و رفقة طويلة من العمل المشترك و الهدف الواحد للتخلص من دكتاتورية نظام الحزب الواحد والحزب القائد والرئيس الذي يمسك بالسلطة من المهد الى اللحد، مكلّلا بكل صلاحيات الارض والسماء والذيديجب ان نفديه بالروح والدم مهما كانت اخطاؤه وجرائره، ومهما سبّب من كوارث وبلايا للوطن والشعب !!!.
ورغم اهمية الحرية للتعبير عن الذات و الديمقراطية كنمط حياة وتعايش بين السلطة والشعب، واللتين كانتا بمثابة الفردوس المفقود الموعود لحياة العراقيين الجديدة في نهج الحكم والادارة، وهو ما يقتضي وجود نمط و جوٍّ سياسي متجانس متوافق في خطوطه العريضة ومشتركاته العامة مستنداً الى ما أشرنا اليه آنفاً من الصحبة والالفة والتوافق والنضال كتفاً لكتف ضد (عدوٍّ واحد).
الا ان ماحدث على ارض الواقع خالف البداهة والتوقّع وجميع رؤى الاستشراف والتخمين، بعد ان امسكت احزاب وتيارات معارضة الامس بزمام الحكم، و سكنت القصور الرئاسية الصدامية و ذاقت حلاوة الحكم السحرية التي لا ينجو من براثن جشعها احد، اذ سرعان ما طفت على سطح المشهد السياسي مفاهيم المحاصصة و سعار تقاسم المناصب والمكاسب ومؤامرات الاقصاء وكل مافي القاموس الميكافيللي من الوسائل المبررة بالغايات !!!!.
ولعلّ فوضى المخرجات التي انتجتها العملية السياسية طوال اكثر من عقدين بفسادها و خرابها خير دليل على نظام السلطة الهجين مشوّه الملامح الذي يدير البلد حتى الآن.
ربما اكون اضطررت الى هذه المقدمة الطويلة للوصول الى واحدة من اهم عقد وازمات النظام السياسي الشائكة التي يبدو انها عصيّةً على الحلول رغم بساطتها كما اعتقد، واعني بها ازمة العلاقة الفدرالية بين العرب والكرد او المركز والاقليم، مع وجوب الاشارة الى ان وجود الاقليم الكردي ككيان لم يكن من نتاج او مكاسب اسقاط النظام البعثي في 2003 بعد الاحتلال الامريكي، انما هو وضع قائم منذ عام 1991 فرضه تاريخ طويل من نضال الكرد كأمة لانتزاع حقوقها القومية وهو امر مشروع لا يمكن ان يختلف عليه اثنان حتى وان لم نجد في انفسنا رضاً و هوىً لهذا الامر من واقع ارث نوستالجي لفكرة الوطن الشمولي مع اننا نغفل ان العراق ككيان جغرافي وسياسي كما نعرفه الان لم يتشكل الا عام 1921 و بناءً على ارادة استعمارية انجليزية فرنسية قسّمت المنطقة بعد انتصارهم على المانيا في الحرب العالمية الاولى، وهي قسمة خالفت استحقاقات التاريخ والقومية والاثنية والمصلحة الوطنية ولم تراع الا اهداف المنتصرين و مصالحهم المستقبلية.
وعلى مدى اكثر من 70 عاما وتحديدا منذ عام 1920 الذي وقعت فيه معاهدة (سيفر) بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى والتي انتزعت بموجبها جميع الاراضي التي يقطنها غير الاتراك التي احتلتها الدولة العليّة العثمانية في سنوات حكمها الستمائة من 1299 الى 1922 م.
ظلّ الكرد يناضلون لانتزاع دولتهم القومية بعد ان اخلف معهم الحلفاء المنتصرون (بريطانيا و فرنسا و امريكا) وعدهم في منحهم حق الحكم الذاتي في المنطقة الواقعة جنوب تركيا شرق نهر الفرات كنواة لدولتهم المستقبلية.
الا ان هذا الطموح والاستحقاق القومي لم يرق للجميع في المنطقة، وكان الترك اول من قرروا قمع الطموحات الكردية و طمس ملامحها القومية بشتى الوسائل واقساها، وكذلك فعل الايرانيون، والامر ذاته انطبق على اكراد سوريا والعراق، مع وجوب الاشارة ان حال الكرد في العراق وعلاقتهم بالعرب ربما كانت الاحسن والامثل قياساً الى الدول الاخرى، مع ان الصراعات المسلحة لم تنقطع بين الحكومات العراقية المتعاقبة والثوار الكرد لعقود طويلة من الزمن، ربما كان بعضها بدوافع وطنية و بعضها الآخر باملاءات دولية لاتريد للدولة الكردية ان تتشكل وقتها.
ويجب ان نعترف ان هذه الامة الحرّة الحيّة اثبتت دائما في جميع اماكن تواجدها بتركيا وايران والعراق و سوريا اصرارها وصلابتها و صبرها العجيب على انتزاع حقوقها وتأكيد هويتها، سطّرت في سفر الثورات الكثير من المآثر والبطولات التي يجب ان نعترف بها حتى وان كانت ضدّنا.
وكان تشكيل الاقليم الكردي شمال العراق عام 1991 نتاجاً طبيعياً لسنوات النضال والكفاح المسلح الطويلة والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الكردي في العراق دفاعا عن حقوقه وهويته وكينونته. اضافة الى اسهامهم في اسقاط النظام البعثي عام 2003 وتغيير شكل السلطة في العراق والتي نتج عنها دستور جديد يقرّ النظام الفدرالي ويمنح الاثنيات القومية والدينية حقوقها كاملة واولها حقوق الشعب الكردي.
ومع ان الشراكة السياسية هذه المرة مع رفاق الامس في النضال، ومع ان السياسيين الكرد كانوا حاضرين في كتابة الدستور الجديد والسلطة الجديدة، ومع انهم اقرّوا بموجبه فدرالية الدولة وشرعية الاقليم واستقلاليته، ومع انهم اتفقوا بموجب ذلك على ان يكون لهم حصة الثلث في جميع مؤسسات الدولة ووزاراتها وكياناتها، الا ان جمر قليلا من ارث الصراع القديم سرعان مابدأ يتقد من تحت الرماد مرّةً اخرى، في الامور التي تقع تحت سلطة المركز ، مع ان جميع القوى السياسية كانت تسارع الى الاقليم لكسب تأييده عندما تشتبك فيما بينها وتتصارع على المناصب والحصص والمكاسب، و غالبا ما لعب قادة الاقليم دور صمام امان العملية السياسية لحلّ الازمات الكبرى مع وجوب الاشارة ان تلك الحلول لم تكن لله والوطن فحسب بل يجب ان تتضمن بشكل اساس مصالح الاقليم ايضاً وهو حق سياسي مشروع حتى وان لم نكن نجد في انفسنا هوىً و رضاً ازاءه.
كانت خلافات المركز والاقليم المتقدة بين الحين والآخر لا تجد حلولاً جذرية ناجعة بل غالبا مايتم حقنها بمهدئات ومورفينات مؤقتة من اجل ان تمشي المركبة.
الا ان هذه الخلافات او الاختلافات لم يكن من حقّها ان تمتد ابدا الى قوت المواطن ومعاشه اليومي باي شكل من الاشكال، واعني هنا رواتب الموظفين الكرد واستحقاقاتهم التقاعدية، التي تستعملها الحكومة المركزية وتلوّح بها كعصا غليظة ضد حكومة الاقليم !!!!!.
وانا شخصيا وربما معي كثيرون من الوطنيين واصحاب الفكر والقلم والموقف الثابت، استنكر وارفض جدا ان يكون قوت المواطن و معاشه اداةً في اي خلاف او حتى صراع.
فالخلافات السياسية مكانها طاولة الحوار المشترك والتفاهمات السياسية و الاطر القانونية المحكومة بالدستور وليس ليّ الاذرع بلقمة العيش، بل وحتى ان كان الطرف السياسي الاخر على خطأ و عنت، لايجوز ابدا مجابهته بقطع الاستحقاقات و اساسيات الحياة مهما كانت الاسباب.
والمصيبة ان قطع رواتب الموظفين عن الاقليم قد يستمر لشهور عديدة تضع المواطن المسكين في خانق العوز والضيق الشديد وربما الجوع بينما يعيش السياسيون الحاكمون في رفاهيتهم وتخمتهم وقصورهم العالية.
اذا كنا نصف النظام الصدامي بالدكتاتورية والظلم ونحن نتذكر انه في اقسى واقصى درجات القطيعة والخلاف مع الاقليم بتسعينات القرن الماضي ومع علمه ان القادة السياسيين الكرد كانوا يعملون على اسقاطه بكل السبل، كان يحرص على ايصال الحصة التموينية والمستلزمات الدراسية الى شعب الاقليم، وكان يتغاضى على عمليات تهريب النفط والغاز اليهم مع قدرته على قطعها عنهم.
فبماذا ترى نصف حكّام العراق اليوم وهم يهرعون الى قطع قوت المواطن في الاقليم بحجب راتبه لدى كل خلاف سياسي مع رفاق الامس من القادة الكرد !!!؟؟؟
ربما سيجيب الان الكثير من المتشددين او المؤدلجين او المنافقين او المطبلين: ان ذلك بسبب الخلافت على عوائد البترول او الكمارك والرسوم او انعدام سلطة المركز في الاقليم او … او …
وسأردّ عليهم بانّ ذلك قد يكون صحيحا او ربما فيه اختلاف وجهات نظر، لكنه مهما بلغ من تصارع و خلاف و عناد وعنت، يجب ان لا يمتد الى اساسيات الحياة واولها رواتب الموظفين والمتقاعدين، اذ ليس لهذا دخل بذلك ابداً ابداً، ومن يخلط الاوراق ويداخل الامور ببعضها يجب ان يضرب على يده كائنا من يكون.
اعطوا الناس استحقاقاتها ودعكم من الاعيب السياسة القذرة هذه، وتذكروا انكم في اقصى طموحاتكم لن تنجاوزوا اربع او ثماني سنوات في كرسي الحكم ثم تغادرون، ثم تلاحقكم لعنات الناس في الارض والسماء على سوء مافعلت ايديكم فلا تتمادوا واتقوا الله والوطن والشعب فان لهم ضربات تميد منها الجبال و يخشع لها عتاة الرجال، وليس انتم يا أشباه الرجال.
استدراك/ لابد من الاشارة الى ان حكومة الاقليم تتحمل وزرا كبيرا في هذا من حيث اعتمادها في البرلمان على سياسيين كرد عاجزين لا يقدمون ولا يؤخرون، و مسؤولين في وزارات وهيئات حكومة المركز لا عمل لهم سوى تعيين السكرتيرات الجميلات ومطاردة الموظفات (الايچات).والطامة الاكبر في وسائل الاعلام الكردية الناطقة بالعربية والتي تم اطلاقها للعمل على التقارب الشعبي العربي الكردي، وهي اعجز عن التأثير بجناح ذبابة لانها سلّمت ادارتها للگرعة وليس لام الشعر والعافل يفتهم
واذا ما افتهم خلّي يخابرني حتى افهمه.
موعبالكم لهنا وخلصت
للحديث صلة